<hr style="" size="1">
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
::السلام عليك يا أبا الحسن يا علي بن موسى الرضا::
عظم الله أجورنا وأجوركم بناسبة ذكر إستشهاد ثامن الأئمة وضامن الجنة
الإمام علي بن موسى الرضا (ع) وبهذه المناسبة أقدم لكم بعض المقتطفات من
حياته سلام الله عليه
الإمام علي الرضا (عليه السلام)
الاسم: الإمام علي الرضا (ع)
اسم الأب: الإمام موسى الكاظم (ع).
اسم الأم: أم البنين.
تاريخ الولادة: 11 ذي القعدة سنة 148 للهجرة.
محل الولادة: المدينة.
تايخ الاستشهاد: 17 صفر وعلى رواية أخرى في 29 من شهر صفر.
محل الاستشهاد: طوس.
محل الدفن: مشهد.
الرضا (عليه السلام) والمأمون
جعل المأمون مركز حكمه في مدينة «مرو»، اعترافاً بفضل الخراسانيّين الذين
ساعدوه في الوصول إلى ألحكم، ولم تمض على حكمه سنة حتى بدأت الاضطرابات
تعمّ أطراف البلاد، وقامت الانتفاضات في كلّ مكان يقودها العلويّون
الثّائرون، واشتعلت الثّورات في مكة والمدينة واليمن والبصرة والكوفة.
وأحسّ المأمون بالخطر يحاصره في كلّ مكان، وشعر بحرج موقفه، فلم يجد
وسيلةً أجدى وأنفع من تظاهره بالرّغبة في التّنازل عن الخلافة إلى الإمام
الرضا (ع)، فيرضي بذلك العلويّين الذين يقودون الثورات ضدّ حكمه، ويميل
بهم إلى الهدوء، وكان يعلم أنّ الإمام سيرفض ذلك رفضاً قاطعاً، لكنّ وزيره
الفضل بن سهلٍ شجّعه على ذلك. كتب المأمون إلى الإمام الرضا يستدعيه إلى
خراسان، ويستقدمه لزيارته في «مرو»، فكان الإمام يتمنّع ويتعلّل بعلل
مختلفةٍ، لكنّه أمام إلحاح المأمون المتكرّر، لم ير بدّاً من الاستجابة
لدعوته والذّهاب إليه، وكان الرضا عليه السلام يعرف تماماً أنّ ابن
الطاغية هارون الرشيد لا يمكن أن يكنّ المحبّة لابن موسى الكاظم، لكنّه لم
يجد بدّاً من الاستجابة، بعد أن تأكّد أنّ المأمون لن يكفّ عنه.
سفر لا عودة منه
رافق الإمام الرضا رسل المأمون إليه محاطاً منهم بالتعظيم والإجلال وسار
معه بعض أعيان المدينة وأشرافها، وتحرك الموكب في طريقه إلى خراسان.
متجنّباً المرور بالمناطق التي يكثر فيها محبّو الإمام وأنصاره، كقمّ
وغيرها من المدن، وذلك بأمر من المأمون نفسه، ورغم ذلك فقد كان الناس
يخرجون لاستقبال ابن رسول الله بكلّ شوق، ويهللون مكبّرين لرؤيته،
ويتزاحمون للتزوّد منه بنظرةٍ. لاحظ الإمام عليه السلام أنّ هناك محاولةً
للتفريق بينه وبين الناس، فكان يتحيّن الفرص للتحدّث إليهم. ولمّا وصلت
قافلته إلى «نيسابور» خرج أهلها لاستقباله، وهم الذين كانت رؤية حفيد رسول
الله (ص) حلماً بالنسبة إليهم، وها هي عيونهم تكتحل بمرآه، فالأمر واقع
وحقيقة وليس حلماً، وزحفت المدينة برجالها ونسائها لاستقباله، دون أن
ينتظروا وصوله إليهم، فالشّوق عظيم والحدث كبير. كان علماء المدينة
وأعيانها يتطلّعون إلى فرصةٍ تمكّنهم من سماع حديث الإمام، لكنّ غليان
الناس وحرارة استقبالهم لم تمكّنهم من ذلك، فصرخوا بالناس يدعونهم إلى
الهدوء. وبعد أن صمت الجميع، رفع الإمام ستائر هودجه، وأطلّ عليهم بوجهه
الصّبوح، فارتفعت أصواتهم من جديدٍ، لكنّهم بإشارة منه عادوا إلى الهدوء،
وتوجّه الجميع إليه بأسماعهم يلتقطون كلّ حرفٍ يقوله، وكان على الإمام أن
يقول لهم كلّ شيءٍ. وعليه أن يتوخى الحكمة والحذر، وأن يوجز في حديثه لأنّ
الفرصة قصيرة. قال عليه السلام: حدّثني أبي موسي الكاظم، عن أبيه جعفر
الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه عليّ زين العابدين، عن أبيه الحسين
شهيد كربلاء، عن أبيه علي بن أبي طالب أنه قال: حدّثني حبيبي وقرّة عيني
رسول الله (ص) عن جبرئيل أنّه قال: سمعت ربّ العزّة سبحانه يقول: «كلمة لا
إله إلاّ الله حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي». كتب الألوف من رواة الحديث
قول الإمام عليه السلام، وهو من الأحاديث المتّفق عليها بين المحدّثين،
وهو من رواية الطّاهرين عن آبائهم الطيبين، وكان بعض السّلف يقول: لو قرئ
هذا الإسناد على مجنونٍ لأفاق. وتحرّك الإمام من نيسابور» ليتابع رحلته
إلى «مرو»، حيث المأمون يستعدّ لاستقباله والحفاوة به، ولمّا وصلها أنزله
منزلاً كريماً، محاطاً بكلّ مظاهر التّقدير والاحترام. استبشر الناس خيراً
بمقدم الإمام (ع)، فقد تخيّلوا أنّ الماضي البغيض قد ولّى إلى غير رجعةٍ،
وأنّ أيام الخلاف والاقتتال قد انتهت، فها هو المأمون يستعدّ لإرجاع الحقّ
إلى أصحابه، وها هو صاحب الحقّ قد أقبل، وستغدو الأيام رخيّةً سهلةً،
لكنّهم كانوا واهمين، فالإمام عليه السلام يعرف حقّ المعرفة أنّ المأمون
غير جادٍّ في عرضه، وأنّه يتظاهر بالرّغبة في التّنازل عن الحكم لأمر في
نفسه، وإذا تجاوزنا المأمون إلى بطانته وأجهزته حوله، لرأينا أنّهم أحرص
على الملك والجاه والدنيا، لذا فقد رفض الإمام عرض المأمون، فما كان من
المأمون إلاّ أن عرض عليه ولاية العهد بعده، والعرض الجديد لم يكن حبّاً
بالإمام، وميلاً إلى الحقّ، بل هو تغطية لمآرب أخرى، فالمأمون يرمي من
ورائه للحصول على شرعيّةٍ لحكمه، كما يرمي إلى إسكات الثّائرين عليه،
ومرّةً ثانيةً يرفض الإمام عرضه، فيلحّ المأمون ويهدّد، ويمعن في تهديداته
حتى التلويح بالقتل، بل التصريح به، ويروى أنّ المأمون قال للإمام حين رأى
امتناعه عن القبول بما يعرضه عليه: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه، وقد
أمنت سطوتي، فبا لله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن
فعلت وإلاّ ضربت عنقك. كان الإمام عليه السلام يتوقّع كلّ هذا، كان يعرفه
حين دخل مسجد جدّه الرسول في المدينة يودّعه، ويقول وهو يبكي: إنّي أخرج
من جوار جدّي رسول الله (ص)، وأموت في غربةٍ. كان يدرك ذلك وهو في طريقه
من المدينة إلى خراسان مغلوباً على أمره. وأخيراً فلم يجد أمام إلحاح
المأمون وتشدّده بدّاً من القبول، إنّما بشروط لا مناص منها، فقال
للمأمون: أنا أقبل ذلك على أن لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض
رسماً ولا سنّةً، وأكون في الأمر من بعيدٍ مشيراً. رضي المأمون، وتمّت
البيعة للإمام بولاية العهد، بحضور الوزراء والقادة والأعيان، وحشدٍ كبير
من الناس. ووزّع المأمون الأموال والهدايا عليهم، وتزاحم الشعراء على
تقديم مدائحهم. وبهذه المناسبة ضرب المأمون الدراهم وطبع عليها اسم الرضا
(ع). وصار الخطباء يفتتحون خطبهم بالدعاء للمأمون والرضا (ع). وفي خراسان
عقد الإمام مجالس المناظرة مع العلماء والأطبّاء وغيرهم، فكان علمه وسعة
اطّلاعه مبعثاً لعجبهم، وكان المأمون يحضر بعض هذه المجالس، ولا يستطيع أن
يخفي غيظه وحسده لمكانة الإمام، رغم ادّعائه تشجيع العلوم والأبحاث، وكان
الإمام حين يرى منه ذلك، يختصر أحاديثه ويوجزها ما أمكنه، خاصّةً وأنّه
أدرك أنّ الموكلين بأموره وقضاء حوائجه كانوا في الحقيقة عيوناً للمأمون
عليه، فكان عليه السلام يتلوّى من الألم، ويتمنّى لنفسه الموت ليتخلّص من
حياةٍ تحيط بها المكاره، وكان يقول: اللهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه
بالموت فعجّله لي الساعة.
صلاة لم تتمّ
لمّا حضر عيد الفطر في السنة التي عقد فيها المأمون ولاية العهد للإمام
الرضا عليه السلام، أرسل إليه بالركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة
بهم، فبعث إليه الإمام الرضا: لقد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في
دخول هذا الأمر (يعني قبوله لولاية العهد)، فأعفني من الصلاة بالناس.
فألحّ عليه المأمون وقال له: أريد بذلك أن تطمئنّ إليك قلوب الناس،
ويعرفوا فضلك. فأجابه الإمام إلى طلبه على شرط أن يخرج إلى الصلاة كما كان
يخرج إليها رسول الله وأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب من بعده، فقال له
المأمون: اخرج كيف شئت. ثمّ أمر القوّاد والحجّاب والناس أن يبكّروا إلى
باب الرضا (ع)، ليرافقوه إلى الصلاة. وصباح العيد وقف الناس في الطّرقات
وعلى السطوح ينتظرون خروجه، ووقف الجند والقادة على بابه وقد تزيّنوا
وركبوا خيولهم. قام الإمام فاغتسل ولبس ثيابه، وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من
قطن، فألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه، ومسّ شيئاً من الطيب،
وقال لمن معه: افعلوا مثل ما فعلت، فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمّر
سراويله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: الله اكبر، فكبّر معه الناس، ولما
رآه القادة والجند على تلك الصّورة، ترجّلوا عن خيولهم، ونزعوا أحذيتهم من
أرجلهم، ومشوا خلفه حفاةً، ثم كبّر الرضا عليه السلام، وكبّر معه الناس،
وارتفعت أصواتهم بالتكبير حتى سمعت من كلّ الجهات، وضجت المدينة
بالمكبّرين، وخرج الناس من منازلهم، وازدحمت بهم الشوارع والطرقات بشكلٍ
لم تشهده «مرو» من قبل، وصدق فيه قول الشاعر: ذكـروا بطـلـعتك النـبيّ
فهـلّلوا *** لمّا طلعت من الصّفوف وكبّروا حتى انتهيت إلى المصلّى لابساً
*** نور الهـدى يبدـو عليك ويظهر ومشيت مشية خاشعٍ متواضـعٍ *** لله لا
يــــزهــو ولا يــتــكــبّــر ولو أنّ مشـتاقاً تكـلّف فوق ما *** فـي
وسـعه لسعى إليك المنبر كان المأمون يريده أن يخرج للصلاة كما يخرج
الملوك، تحفّ بهم الزّينات ومعالم العظمة، ويستغلّون المناسبة لعرض قوّتهم
وهيبتهم في النفوس، بينما يرى الإمام أنّ للمناسبة قداستها الروحيّة، ترفع
فيها آيات الخضوع والعبوديّة لله تعالى، وترتفع الأصوات بحمده والتكبير
له، وشتّان بين ما أراد المأمون وما فعله الإمام ، فما كان من المأمون
إلاّ أن بعث إليه يقول: لقد كلّفناك شططاً (أي زيادةً عن الحدّ) وأتعبناك
يابن رسول الله، ولسنا نحبّ لك إلاّ الراحة، فارجع، وليصلّ بالناس من كان
يصلي بهم. فرجع الإمام (ع)، لأنّ هذا هو ما يتمنّاه.
أموت في غربةٍ
منذ ذلك اليوم، وقد رأى المأمون تجاوب الناس مع الإمام، وكيف كان توجّههم
إليه عميقاً، أحسّ بالمرارة تغلي في أحشائه، وتذكّر أيام أبيه هارون
الرّشيد مع الإمام الكاظم عليه السلام، وكان يرى حفاوة الرشيد البالغة
بالإمام، وإكرامه له، وهو (أي المأمون) لا يعرفه، فسأل أباه قائلاً: من
هذا الرجل الذي عظّمته وقمت من مجلسك لأجله، وجلست بين يديه؟ قال الرشيد:
هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده. فقال المأمون:
أليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر
بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حقّ، والله يا بنيّ إنّه لأحقّ بمقام
رسول الله منّي ومن الخلق أجمعين، فقال له المأمون: إذا كنت تعرف ذلك
فتنحّ عن الملك وسلّمه لأصحابه، فقال: يا بنيّ إنّ الملك عقيم، والله لو
نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك. تذكّر المأمون هذه الواقعة مع أبيه،
ولا يزال صدى العبارة الأخيرة يرنّ في مسامعه: والله لو نازعتني فيه لأخذت
الذي فيه عيناك. وما له يسلّط على هذا الملك رجلاً يلتفّ الناس حوله إذا
حضر، وتهفو إليه قلوبهم إن غاب، يجلّونه ويقدّرونه؟ أليس أبوه الذي قال:
إنّ الملك عقيم؟ أليس بالأمس القريب قتل أخاه وعشرات الألوف من الناس في
سبيل هذا الملك؟ تذكّر كلّ هذا وصمّم أمراً، صمّم أن يريح نفسه من هذا
الهمّ الذي جلبه على نفسه بيديه، وقرّر أن يتخلّص من الإمام. ولم يطل
الأمر كثيراً، وكان قد مضى على الإمام في ولاية العهد ما يقرب من سنتين،
حين استشهد مسموماً، واتّهم المأمون بقتله، لكنّه أنكر التّهمة، وأظهر
عليه الأسى والحزن. وكان استشهاده سنة 203 للهجرة بطوس، ودفن في مشهد.
ويختلف الناس لزيارة قبره من جميع أنحاء العالم. ويروى عنه أنّه قال: من
زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة.
::فسلام الله عليك يا أبا الحسن ورزقنا الله في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك::