إحراق الباب وإسقاط جنين فاطمة (عليها السلام) وضربها
أمر عمر بجعل الحطب حوالي البيت وانطلق هو بنار(3) وأخذ يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها(4).
فنادت فاطمة (عليها السلام) بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ".
فلما سمع القوم صوتها وبكاءَها انصرفوا باكين، وبقي عمر ومعه قوم(5)، ودعا
بالنار وأضرمها في الباب(6)، فأخذت النار في خشب الباب(7)، ودخل الدخان
البيت(
، فدخل قنفذ يده يروم فتح الباب(9)..
1. الهداية الكبرى: 407، بحار الأنوار: 53/19.
2. كتاب سليم: 84، 250.
3. تفسير العياشي: 2/308.
4. الملل والنحل: 1/57.
5. الامامة والسياسة: 1/20 ; المسترشد: 377 ـ 378.
6. كتاب سليم: 250.
7. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
8. الشافي للسيد المرتضى: 3/241.
9. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 121
--------------------------------------------------------------------------------
فأخذت فاطمة (عليها السلام) بعضادتي الباب تمنعهم من فتحه، وقالت: "
ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكفّوا عنا
وتنصرفوا ".
فأخذ عمر السوط من قنفذ وضرب به عضدها، فالتوى السوط على يديها حتى صار كالدملج(1) الأسود(2).
فضرب عمر الباب برجله فكسره(3)، وفاطمة (عليها السلام) قد ألصقت أحشاءها
بالباب تترسه، فركل الباب برجله(4) وعصرها بين الباب والحائط عصرة شديدة
قاسية حتى كادت روحها أن تخرج من شدّة العصرة، ونبت المسمار في صدرها(5)
ونبع الدم من صدرها وثدييها(6)، فسقطت لوجهها ـ والنار تسعر(7) ـ، فصرخت
صرخة جعلت أعلى المدينة أسفلها، وصاحت: " يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا
يصنع بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضّة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في
أحشائي "، ثم استندت إلى الجدار وهي تمخض(
، وكانت حاملة بالمحسن لستة
أشهر فأسقطته(9)، فدخل عمر وصفق على خدّها صفقة من ظاهر الخمار، فانقطع
قرطها وتناثرت إلى الأرض(10).
1. الهداية الكُبرى: 178 ـ 179.
2. المصدر: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
3. تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 186.
4. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294.
5. مؤتمر علماء بغداد: 63.
6. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
7. الهداية الكبرى: 178 ـ 179.
8. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294.
9. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
10. دلائل الإمامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294، وراجع إرشاد القلوب: ج
2، عنه بحار الأنوار: 30/349 ; الهداية الكبرى: 179، 407 ; المحتضر: 44 ـ
45، ويظهر من بعض الروايات أنّ لطم الخدّ كان حين إخراج أمير المؤمنين
(عليه السلام) من البيت، راجع الكوكب الدرّي: 195.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 122
--------------------------------------------------------------------------------
فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمرّ العين حاسراً، حتى
ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وصاح بفضّة: " يا فضة! مولاتك! فاقبلي
منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت
محسناً ".
وقال (عليه السلام): " إنّه لا حق بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشكو اليه ".
وقال لفضة: " واريه بقعر البيت "(1).
ثم وثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه
ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما
أوصاه به من الصبر والطاعة، فقال: " والذي أكرم محمّداً (صلى الله عليه
وآله وسلم) بالنبوة يا ابن صهاك! لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمت أنك لا تدخل بيتي ".
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فرجع قنفذ إلى أبي بكر
وهو يتخوّف أن يخرج عليّ (عليه السلام) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدّته،
فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع
فأضرم عليهم بيتهم النار..!
فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه
فسبقوه إليه وكاثروه ـ وهم كثيرون ـ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه(2).
فقال عمر لعلي (عليه السلام): قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده
وقال: قم، فأبى أن يقوم(3)، فألقوا في عنقه حبلاً(4) وفي رواية: جعلوا
حمائل سيفه في عنقه(5)، وفي غير واحد من النصوص: أخرجوه ملبباً(6)(7)
____________
1. الهداية الكبرى: 408.
2. كتاب سليم: 84.
3. شرح نهج البلاغة: 2/57 و 6/49.
4. كتاب سليم: 84 ; رجال الكشي: 1/37 ; الاحتجاج: 83 ; الصراط المستقيم: 3/25.
5. الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195.
6. لبّب فلاناً: أخذه بتلبيته وجرّه.
7. الإيضاح: 367 ; بصائر الدرجات: 275 ; تفسير العياشي: 2/67 ; الشافي:
3/244 ; الاختصاص: 11، 186، 275 ; المسترشد: 381 ; المناقب: 2/248 ; شرح
نهج البلاغة: 6/45.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 123
--------------------------------------------------------------------------------
بثيابه يجرّونه إلى المسجد، فصاحت فاطمة (عليها السلام) وناشدتهم الله(1)
وحالت بينهم وبين بلعها، وقالت: " والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً،
ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت.. " وبزعمها أنّها
تخلّصه من أيديهم(2)، فتركه أكثر القوم لأجلها.
فأمر عمر قنفذاً أن يضربها بسوطه، فضربها بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف(3).
وفي رواية: ضربها قنفذ على وجهها وأصاب عينها(4).
وفي رواية اخرى: ألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها
فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة(5).
وفي روايات اُخرى: ضربها على رأسها أو ذراعها أو كتفها، أو عضدها وبقي أثر السوط في عضدها مثل الدملج(6)، أو لكزها بنعل السيف، وأنّ
____________
1. شرح نهج البلاغة: 2/50.
2. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
3. علم اليقين: 2/686 ـ 688.
4. سيرة الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام): 1/145.
5. كتاب سليم: 85 ; الاحتجاج: 83. وفي كسر ضلعها أو جَنْبها روايات أُخرى،
راجع كتاب سليم: 2/907 (الطبعة الحديثة) ; أمالي الصدوق: 114 (ط بيروت ص
100) ; الفضائل: 9 ; المحتضر: 61، 109 ; مكتوب بخط الشيخ الجبعي، عنه بحار
الأنوار: 101/44 ; فرائد السمطين: 2/35 ; إرشاد القلوب: 295 ; مصباح
الكفعمي: 553.
6. كتاب سليم: 134 ; الكشكول للآملي: 83 ـ 84 ; حديقة الشيعة: 30 ; الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195 ; الكبريت الأحمر: 277.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 124
--------------------------------------------------------------------------------
الضرب الصادر منه كان السبب في إسقاط جنينها(1) أو كان اقوى سبب في ذلك(2).
وفي رواية: ضربها خالد بن الوليد ايضاً بغلاف السيف.
وفي رواية: ضغطها خالد بن الوليد خلف الباب فصاحت.. ولذا أسند بعض الثقات إسقاط الحمل إلى خالد أيضاً(3).
وفي رواية ضربها المغيرة بن شعبة حتى أدماها، أو دفع الباب على بطنها..
ولذا أُسند الإسقاط إليه أيضاً(4).
وفي رواية: التفت عمر إلى من حوله وقال: اضربوا فاطمة..!! فانهالت السياط
على حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبضعته حتى أدموا جسمها،
وبقيت آثار العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة، فأصبحت
مريضة عليلة حزينة(5).
وفي عدّة من الروايات: ضرب عمر بالغلاف على جنبها، وبالسوط على ذراعها(6)، واسودّ متنها من أثر الضرب(7) وبقي إلى أن قبضت(
.
قال سلمان: فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون!! ما فيهم إلاّ باك، غير عمر
وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وعمر يقول: إنّا لسنا من النساء ومن
____________
1. دلائل الإمامة: 45 (الطبعة الحديثة ص 134 ـ 135).
2. علم اليقين: 2/686 ـ 688.
3. الكشكول، للآملي: 83 ـ 84 ; حديقة الشيعة: 30.
4. الاحتجاج: 278 ; جلاء العيون للسيّد شبّر: 1/193.
5. مؤتمر علماء بغداد: 63.
6. كتاب سليم: 84، 250 وراجع كامل بهائي: 1/305 ; جنّات الخلود: 19.
7. جنّة العاصمة: 252 ; الشمس الضحى: 154.
8. مصائب المعصومين (عليهم السلام): 127 وغيره كما يأتي.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 125
--------------------------------------------------------------------------------
رأيهنّ في شيء(1).
إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) ثانياً
فاستخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله(2) مكرهاً مسحوباً(3)،
وانطلقوا به(4)، يسوقه عمر(5) سوقاً عنيفاً(6)، ويقوده آخرون كما قال
(عليه السلام): ".. كما يقاد الجمل المخشوش(7).. " إلى بيعتهم، مصلتة
سيوفها، مقذعة أسنتها.. وهو ساخط القلب، هائج الغضب، شديد الصبر، كاظم
الغيظ(
، فجيء به تعباً(9)، وفي رواية: يمضي به ركضاً(10).. واجتمع الناس
ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة من الرجال(11)، فما مرّ بمجلس من المجالس
إلاّ يقال له: انطلق فبايع(12).. واتّبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار
وبريدة، وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)وأخرجتم الضغائن التي في
____________
1. كتاب سليم: 85، وذكر بكاؤهم أيضاً في الإمامة والسياسة: 1/20 ; المسترشد: 377 ـ 378.
2. المسترشد: 381 ; الاحتجاج: 86.
3. الهداية الكبرى: 138 ـ 139.
4. شرح نهج البلاغة: 6 / 11.
5. المسترشد: 378 ; شرح نهج البلاغة: 2/50 و 6/47.
6. شرح نهج البلاغة: 6/49.
7. هذه العبارة موجودة في كتاب معاوية وجواب أمير المؤمنين (عليه السلام)
له، راجع وقعة صفّين: 87 ; الفتوح، للأعثم الكوفي: 2/578 ; العقد الفريد:
4/308 ـ 309 (دار الكتاب العربي) ; نهج البلاغة: 122 ـ 123 ; الفصول
المختارة: 287 ; تقريب المعارف: 237 ; المناقب للخوارزمي: 175 ; الاحتجاج:
171 ; شرح نهج البلاغة: 15/74 و 183 ; صبح الأعشى: 1/228 ـ 230 ; جواهر
المطالب: 1/357، 374 ; الصراط المستقيم: 3/11.
8. مصباح الزائر: 463 ـ 464.
9. تاريخ الطبري: 2/203.
10. شرح نهج البلاغة: 6/45.
11. شرح نهج البلاغة: 6/49.
12. شرح نهج البلاغة: 6/45.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 126
--------------------------------------------------------------------------------
صدوركم.
وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر! أتيت على أخي رسول الله ووصيّه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به(1)!!
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتألّم ويتظلّم ويستنجد ويستصرخ(2)، وهو
يقول: " أما والله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم أنكم لم [لن] تصلوا إلى هذا
أبداً، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمسك من أربعين رجلاً
لفرّقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثم خذلوني.. "(3).
ويقول أيضاً: " واجعفراه..! ولا جعفر لي اليوم، واحمزتاه..! ولا حمزة لي اليوم.. "(4).
فمرّوا به على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقف عند القبر وقال:
" يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي )(5) " فخرجت يد من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)يعرفون أنها يده، وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: " يا هذا ( أَ
كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوّاكَ
رَجُلا )(6)..؟! " قال عدي بن حاتم: ما رحمت أحداً رحمتي علياً حين أُتي
به ملببا(7)..
وقال سلمان حينما رأى ذلك: أيصنع ذا بهذا؟ والله لو أقسم على الله